على الرغم من أن مصر تشهد حاليا، انتعاش وتدفقا ملحوظاً في الاستثمارات العربية والأجنبية بمعدلات ضخمة، تستهدف بشكل أساسي قطاعات حيوية ومهمة مثل الموانئ، والطاقة، والخدمات اللوجستية، بالإضافة إلى قطاع العقار.
ويأتي هذا النشاط الاستثماري في وقت تريد فيه الدولة مواصلة تنشيط الاقتصاد، وهو ما يتطلب توفير سيولة مالية وتدفقات دولارية جديدة، خاصة في ظل الضغوط التمويلية المتزايدة وارتفاع أعباء الديون الخارجية التي تثقل كاهل الميزانية.
نشاط وتدفق الاستثمارات الأجنبية والعربية
ومع ذلك، فإن هذا المشهد الاقتصادي المتسارع والمليء بالصفقات أثار موجة من القلق. ويعود هذا القلق إلى التساؤلات المثارة حول طبيعة هذه الاستثمارات وشروطها، وتأثيرها على الأصول الوطنية، ومدى قدرة الدولة على تحقيق التوازن بين جذب رؤوس الأموال الأجنبية الملحة والمحافظة على المصالح الاقتصادية والاستراتيجية طويلة الأجل للبلاد.
الخوف لا يتعلق بالاستثمار ذاته، بل بما يعرف بـ "التركز الاقتصادي"، أي سيطرة شركة أو شركتين فقط على قطاع كامل، بما يمكنها من التحكم في الأسعار، وإقصاء المنافسين، وفرض شروط قد تؤثر على أمن الاقتصاد الوطني، بل وقد تتجاوز في بعض الأحيان قدرة الدولة نفسها على التفاوض.
اقرا ايضا:
شركة مقاولات تعلن عن وظائف مديرين ومهندسين في مصر
هذا النمط من السيطرة يحدث حول العالم، وهو سبب رئيسي لتعطل صفقات كبرى في دول مثل "الولايات المتحدة" و"بريطانيا"، حيث تتدخل الحكومات لوقف أي صفقة تضر بالتنافسية أو الأمن الاقتصادي.
إشكالية التركيز الاقتصادي
التركز الاقتصادي هو حالة تنشأ عن اندماج كيانات اقتصادية أو استحواذ بعضها على بعض، أو من خلال تكوين شراكات استراتيجية، مما يؤدي إلى تغيير دائم في السيطرة في سوق معين.
ويشمل هذا التغيير نقل الملكية (أصول، أسهم، حقوق) أو توحيد الإدارة، بهدف ممارسة سيطرة أو تأثير كبير على المنشآت المعنية وقراراتها. تركز هذه العمليات عادةً تحت إشراف هيئات المنافسة لضمان عدم الإضرار بالمنافسة في السوق.
وببساطة شديدة، يعني التركز الاقتصادي أن شركة واحدة تهيمن على السوق، تتحكم في الأسعار، تضعف المنافسة، تمتلك قوة تفاوضية خطيرة، وقد تؤثر في السياسات العامة للدولة، ولذلك لا تعد القضية اقتصادية فقط، بل سياسية أيضاً، لأنها تمس الأمن القومي للقطاعات الحيوية مثل الطاقة والموانئ والاتصالات والغذاء.
تتعامل مصر بجدية كبيرة مع هذه المخاطر، إذ لديها قوانين مكافحة الاحتكار عبر "جهاز حماية المنافسة" وهو خط الدفاع الأول، حيث يملك سلطة رفض أي صفقة تؤدي لتركز خطير داخل أي قطاع.
وتقوم الحكومة بتنويع المستثمرين عبر توزيع العقود والصفقات بين مستثمرين خليجيين ودوليين ومحليين لتفادي هيمنة طرف واحد على قطاع كامل.
مخاوف بسبب بيع الأصول المصرية
كما لديها نماذج للشراكات بدلاً من البيع الكامل، وهذا في القطاعات الحساسة - مثل الموانئ والطاقة - حيث تلجأ الدولة إلى عقود حق الانتفاع، وشراكات الإدارة، والتشغيل المشترك بدلاً من بيع الأصول نفسها، ما يمنع تكوين نفوذ اقتصادي مطلق لأي جهة أجنبية.
المصريون لا يقلقون من وجود الاستثمارات الأجنبية ولا من دخول رؤوس الأموال، بل من تركز القوة الاقتصادية في يد عدد محدود من الشركات - خصوصاً الأجنبية - بما قد يحد من قدرة الدولة على التحكم في قطاعاتها الحيوية.
وتأتي الحماية الحقيقية عبر مكافحة الاحتكار، رقابة صارمة، تنويع المستثمرين، وشراكات مدروسة تحافظ على ملكية الأصول.
وبهذه المقاربة، يمكن لمصر جذب الاستثمارات التي تحتاجها، دون أن تفقد السيطرة على مستقبل قطاعاتها الأهم.
اقرا ايضا:
شركة كبرى تعمل فى مجال تصنيع وصيانة السفن بسفاجا تعلن عن وظائف شاغرة