أرسل إليكم قصتي وأنا في لحظة من لحظات الندم، لم أندم في حياتي يوماً مثل هذا الندم والحسرة التي أشعر بها الآن، بعد أن تحطمت حياتي وانهارت أسرتي، وأنا في الأربعين من العمر.
تعود بداية قصتي إلى سنتين تقريبا، كنت أمر خلالها بظروف صعبة في عملي أثرت على دخلي وعلى مصاريف الأسرة، ولكن رغم كل ذلك كانت زوجتي صابرة محتسبة، وكانت تقول لي ظروف عابرة وأيام عصيبة ستمر بإذن لله، ورغم هذه الظروف وجدت عملا آخر في الليل، ساعد كثيرا في مصاريف المنزل، لعبور هذه الأزمة.
صفعت زوجتي فطلبت الطلاق
ولكن رغم ذلك كنت بسبب العمل ليلا ونهارا في حالة من التوتر الشد العصبي والاستثارة لأبسط الأسباب، حتى جاءت لحظة من اللحظات وحدث شجار بيني وبين زوجتي بسبب مشكلة لأحد الأبناء، ورفعت زوجتي صوتها علي أمام أبنائي، فلم أتمالك نفسي فقمت بصفعها وضربها، وهنا كانت بداية الانهيار.
بعد هذا الموقف، بيننا حدثت حالة من الجمود والنفور الشديد بيني وبين زوجتي، حتى طلبت الطلاق، ومع استمرار طلبها لهذا الأمر لم أتردد وطلقتها بالفعل، ولم أشعر بالندم في حياتي مثل هذه اللحظة، شعرت أن طيلة السنوات الماضية من العمل والكفاح لبناء الأسرة يتهدم وينهار أمام عيني... ماذا أفعل لأستعيد زوجتي وأسرتي وأعيد ترميم ما تهدم من مشاعر بيننا؟
![]() |
أحمد عبدالظاهر مؤسس ومشرف صحيفة وظيفة 24 |
ويجيب على هذه الرسالة، الأستاذ أحمد عبدالظاهر، المؤسس والمشرف على صحيفة "وظيفة 24".
ويمكن لقراء صحيفة وظيفة 24 إرسال رسائلهم وشكواهم عبر أثير صفحات نبض القراء من خلال الرابط التالي "اضغط هنا".
الندم والاعتراف بالخطأ
بداية نقول لصاحب هذه الرسالة، أن ما تشعر به الآن من ألم وندم هو بداية الحل وبداية الاعتراف بالخطأ، فليس هناك أي مبرر لضرب أو صفع الزوجة التي أنعم الله بها عليك، ورزقك منها البنين والبنات، وعاشت معك في السراء والضراء.
ونقول لصاحب الرسالة وكل قارئ وكل إنسان، أن الحياة ليست على وتيرة واحدة، فليس هناك سعادة دائمة ولا شقاء دائم، ولا عمل دائم، فالدنيا بما فيها زائلة.
هذا حال الدنيا مع الإنسان
وتذكر حال الدنيا كما وصفها أبي الحسن التهامي في أبياته الشعرية الخالدة:
حكم المنية في البرية جارِ ** ما هذه الدنيا بدار قرارِ
بينا يرى الإنسان فيها مخبرا ** حتى يُرى خبراً من الأخبار
طُبعتْ على كدر وأنت تريدها ** صفواً من الأقذار والأكدار
ومُكلّفُ الأيام ضد طباعها ** مُتطلبٌ في الماء جذوة نار
اقرأ أيضا:
زوجتي عصبية جدا.. كيف أتعامل معها؟
وتأكد تماما أخي صاحب الرسالة، أن الدنيا تتقلب بين عشية وضحاها، فالفقير اليوم غدا قد يرزقه الله من حيث لا يحتسب ومن بلا عمل اليوم، غدا قد يشكو من تعب وإرهاق العمل ليلا نهارا، وهذا حال الدنيا، وسنة الله في خلقه، يغير الله أحوال العباد بين عشية وضحاها.
صلب المشكلة والخلاف
ونعود لصلب المشكلة وهي الخلاف والغضب الشديد الذي حدث بينك وبين زوجتك، في لحظة من لحظات غضبك، وهنا نحذر من لحظات الغضب التي تعتري الإنسان، وقد تحرق الأخضر واليابس، فليس هناك أسوأ من خصلة الشخص الغضوب، والذي ينفعل على أقرب الناس إليه، وربما أضعف الناس بالقرب منه، زوجته وابنائه، ولا نقول هذا من باب التعنيف لصاحب الرسالة، ولكن من بال التماس الحكمة والعظة، والصبر والاحتساب في هذه اللحظات التي يشعر فيها الإنسان بالغضب أو التوتر والحزن.
لا تترك نفسك وتتمادى في غضبك
ونقول لكل إنسان وكل رجل وكل ولي أمر وكل زوج إذا شعرت ببداية الغضب لا تترك نفسك لهواها، وتتمادى في غضبها، بل هدئ من روعك والتمس الصبر من الله عز وجل، واترك المكان الذي أنت فيه فورا، قبل أن تتطور الأمور، على سبيل المثال انزل اذهب إلى أي مكان، تمشى قليلا في الشارع، اذهب إلى المسجد واجلس فيه حتى تهدأ، أو اجلس مع أصدقائك، اكظم غيظك وغضبك قدر المستطاع، ولا تترك اللجام لنار الغضب لتحرق حياتك ومستقبلك ومستقبل من تحب ومستقبل أقرب الناس إليك.
وفي الحديث الشريف، الذي رواه الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال: (يا رسول الله علمني شيئا ولا تكثر علي لعلِّي أعيه، قال: لا تغضب ، فردد ذلك مرارا كل ذلك يقول : لا تغضب).
مفتاح حل كل مشكلة، ومفتاح السعادة في الدنيا في كلمتين كما أوصى بهما النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تغضب".
أما الآن وقد وقع الغضب، وحدث ما حدث بينك وبين زوجتك، فعليك هنا أن تسعى لبناء ما تهدم بينك وبين زوجتك، من مشاعر وأحاسيس قد تبدلت بعد هذا الموقف، واعلم تمام ان الأيام كفيلة بتهدئة الأمور، ولكن عليك أن تسعى لحل المشكلة، من خلال عدة طرق كما يلي:
إرسال رسائل للزوجة: حاول أن ترسل لزوجتك رسائل إذا كان ذلك ممكنا، اعتذر خلالها عما بدر منك في لحظة غضب، وإن لم تقبل أو تقرأ رسالتك، حاول أن توصيل هذه الرسائل من خلال وسيط قد يكون أخيها أو أختها، أو والديها، أو أي حكيم من الحكماء في الأسرة والأهل.
حاول أن تتودد إليها مجددا: ارسل لها باقة ورد واكتب فيها رسالة اعتذار عبر خلالها عن ندمك عن هذا الفعل وأنك لن تعود لمثل هذا الأمر مجددا، وأنك تسعى للم شمل الأسرة من أجلها ومن أجل عشرتك معها وحبك لها، وأن ما بدر منك كان في لحظة غضب وأنك لن تكرر ذلك أبدا، مهما حدث.
حاول أن تلتقي بها في مكان خارج المنزل: إن قبلت ذلك وإن رفضت حاول إقناعها من خلال وسيط حكيم من الأهل يستطيع التأثير عليها وإقناعها بأهمية الحوار مجددا بينكما، وتأكد أن حل المشكلة قد يحتاج الكثير من الوقت والكثير من اللقاءات بينكما لتمحو الأثر النفسي لهذه الأزمة بينكما.
اقرأ أيضا:
ابنتي عنيدة جدا ولا تسمع كلامي .. ماذا أفعل؟
أثناء اللقاء بينكما خارج المنزل وفي مكان عام دعها تتحدث عن مشاعرها وأن تبوح بما يدور في خلدها، ودعها تتحدث عن كل ما تشعر به دون أن تقاطعها، استمع فقط لها، ودعها تبوح بكل ما يدور في خاطرها، بعد هذا الموقف العصيب الذي حدث بينكما.
ونقول لهذا الزوج، وكل زوج، أن الزوجة كائن عاطفي من الدرجة الأولى، فكلمة واحدة قد تجعلها أسعد إنسانة في الدنيا، وكلمة قد تجعلها أتعس إنسانة في الدنيا، فرفقا بالنساء ورفقا بالزوجات.
خلال لقائك معها أكد لزوجتك، أنك تحبها وتريد مواصلة حياتك معها، ومع أبنائك، وانك تريد بناء الاسرة من جديد وبناء جسور الثقة والمحبة بينكما بأسلوب جديد ومشاعر جديدة قائمة على أعمدة الحب والاحترام المتبادل والنقاش والود والرحمة.
بعد كل ذلك، إن وجدت من زوجتك استجابة وعودة تدريجية لمشاعر الحب والمودة بينكما، فابدأ في البناء عليها فورا، بهدية قدر استطاعتك، ولا تتعجل في الحديث عن العودة للمنزل، دعها حتى تعود مشاعرها لما كانت عليه أو أقرب من ذلك، اترك الأيام والليالي والزمان يأخذ مجراه حتى يلتئم الجرح الذي أحدثته في مشاعرها، وتأكد ان الزوجة ستكون أحرص منك على الحفاظ على كيان أسرتها ولكن بطريقتها الخاصة، فلا تتعجل في أمر العودة بينكما.
ولكن إن لم تجد استجابة واستمر النفور من زوجتك تجاهك، هناك عليك أن تطلب من حكماء أهلك واهلها بالتدخل ومحاولة إقناعها والتأثير عليها والإصلاح بينكما.
قال تعالى في كتابه الحكيم {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} (النساء: 35).
دع أهل الحكمة والصلاح من أهلك وأهلها، يفعلون وسعهم لإصلاح ما بينكما، فكبار السن في العائلة لهم من الحكمة والعقل والخبرة ما ليس لديك، فدعهم وتأكد أن دورهم سيكون له مفعول السحر في مثل هذه المواقف.
لا تنسى أيضا الدعاء ثم الدعاء والتقرب إلى الله عز وجل، عليك دائما وأبدا التماس الحل في الدعاء فبه تتغير الأقدار، عليك بدعوة الله ان يصلح بينك وبين زوجك، وتأكد ان باب السماء لا يغلق أبدا في وجه من ندم وعاد إلى الله عز وجل..
وهناك أيضا بعض الوصايا من خبراء علم النفس والاجتماع نسردها فيما يلي:
نصائح خبراء علم النفس والاجتماع:
1. الهدوء والتفكير
خذ وقتًا للتهدئة: قبل أن تتخذ أي خطوة، حاول أن تهدأ وتسيطر على مشاعرك. الغضب قد يؤدي إلى قرارات تندم عليها لاحقًا. اطلب من زوجتك أن تهدأ هي الأخرى.
فكر في الأسباب: حاول أن تفهم الأسباب الحقيقية وراء طلب الطلاق. هل هو مجرد رد فعل لحظي بسبب الشجار، أم أن هناك مشكلات عميقة ومتراكمة لم يتم حلها من قبل؟
2. التواصل الفعّال
تحدث بهدوء واحترام: عندما تكون مستعدًا للتحدث، اختر وقتًا مناسبًا وتحدث مع زوجتك بهدوء. عبر عن مشاعرك واستمع إليها دون مقاطعة.
ركز على الحلول لا على المشكلات: بدلاً من التركيز على من كان المخطئ، ركز على كيفية حل المشكلة والوصول إلى حل يرضي الطرفين.
تذكر اللحظات الجميلة: ذكر نفسك وزوجتك باللحظات السعيدة والجميلة التي جمعتكما معًا، وتحدث عن الحب والاحترام الذي كان بينكما.
3. طلب المساعدة الخارجية
استشارة مرشد أسري: إذا كان من الصعب عليكما حل المشكلة بمفردكما، يمكن أن يساعدكما مرشد أسري أو مستشار علاقات زوجية على فهم بعضكما البعض وإيجاد حلول.
التحدث مع شخص موثوق: يمكنك التحدث مع شخص تثق به مثل صديق حكيم، أو أحد أفراد العائلة، أو عالم دين، للحصول على نصيحة ودعم.
4. اتخاذ القرار
فكر في الأطفال: إذا كان لديكما أطفال، فكر في تأثير هذا القرار عليهم. فكر كيف يمكن أن تتخذ قرارًا يخدم مصلحة الجميع.
الطلاق ليس الحل الوحيد: تذكر أن الطلاق هو خيار أخير، وأن هناك دائمًا فرصة لإصلاح الأمور إذا كان الطرفان مستعدين لذلك.
المهم هو أن تتخذ قرارًا بعد تفكير عميق، وأن تحاول بذل كل ما في وسعك لإنقاذ علاقتكما قبل أن يحدث الطلاق البائن وتنهار الأسرة.
اقرأ ايضا: